dimanche 7 avril 2013

الانتفاضات السياسية في مغرب "الثورات الموْؤودة

الانتفاضات السياسية في مغرب "الثورات الموْؤودة"
عديدة هي المحطات التي تؤثت شريط الذاكرة الوطنية وتشكل أساس الوعي المغربي المعاصر.. وهي المحطات التي مازالت تئن تحت وطأة النسيان والتناسي وتتعرض للتجاهل والتعتيم.
بالعودة الى قراءة مختلف صفحات التاريخ المغربي المعاصر، سنجد ان مجموع الأحداث والوقائع التاريخية والسياسية، وكل ما يؤسس للذاكرة الوطنية والجماعية، هو في حاجة ماسة الى مزيد من القاء وتسليط الأضواء عليه واغناء رصيد الكتابات حوله.
وكما جاء في تقديم كتاب "دار بريشة: قصة مختطف"، لصاحبه المهدي المومني التجكاني، فقد عرف المغرب أحداث أليمة غداة الاستقلال يجهلها جميع من ولدوا سنة 1955 أو بعدها ولا ينبغي السكوت عنها لأنها تمثل صفحة مهمة في التاريخ المعاصر".
وتعتبر فترة مابين (1960-1956) من أبرز الفترات، على مستوى التاريخ السياسي المغربي المعاصر، غموضا وتداخلا، بحكم ما يميزها من ملابسات عديدة ومختلف مظاهر الصراع السياسي والمناورات الحزبية والدسائس المخزنية. كما أنها فترة كانت محكومة بسياق سياسي وظروفية تاريخية خاصة وبسيادة وضعية ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية استثنائية، شكلت أهم عوامل ودوافع قيام العديد من الانتفاضات" والثورات الموؤودة".
انتفاضة الريف (1958-1959)
تعتبر" ثورة الجلاء" من أبرز الأحداث والوقائع التي شهدها المغرب خلال هذه الفترة، وذلك بالنظر لكونها حدثا سياسيا اتسم بالقوة في ظل ظرفية تعد من أهم الفترلت الحاسمة في تاريخ المغرب المعاصر، ولما طبعها من رهانات وحسابات وما ميزها من مظاهر التدخل الوحشي.
والواقع، فانتفاضة الريف (58-59)، أو عام "اقبارن"، كما تعرف لدى أهل وأبناء المنطقة، هي من المواضيع التي يغيبها التاريخ الرسمي، واخر فصول هذه التغييب التجاهل الذي تعرضت له ضمن الاجراءات والتدابير المفترض أنها أسست لعملية"المصالحة الوطنية "ولعملية تأثيث وترميم الذاكرة الجماعية، وهي فصول التغييب التي حدثت مع تقرير " هياة الانصاف والمصالحة" وما تلى ذلك.
وعودة الى حيثيات وملابسات اندلاع هذه الانتفاضة التي شكلت أهم العناصر التي كانت تبعث على القلق والتمرد والسخط، نشير الى ما أورده، القائد محمد سلام أمزيان، زعيم هذه الانتفاضة، اذا يقول." فالحقيقة المرة التي تحز في قلوبنا وتفتت أمالنا هو الاهمال الفطيع الذي تمارسه الدولة تجاه معالجة الموقف في هذه المنطقة المهددة (..) فلماذا هذا الاهمال؟ نستغيث لا لضعف ولا لجن وانما للمحافظة على الوحدة الوطنية كي نصمد جميعا أمام العدو الاجنبي المهيمن بجيشه ومخباراته على القضية المقدسة .
لقد عاش المغرب الخارج لتوه من لحظة الاستعمار، أحداثا جد أليمة تحولت معها بهجة وفرحة" الاستقلال" الى لحظات عصيبة عكستها مظاهر الوضعية العامة التي كانت سائدة انذاك والتي تمثلت في بروز مواقف الرفض والغضب وخيبة الامال والاستياء، ذلك أن الاستقلال الذي راهن عليه المغاربة ليس هو ذلك الاستقلال الذي حصل عليه المغرب. الاستقلال الذي يتناسب وحجم طموحات وتضحيات وكفاح الشعب المغربي.
إن اتفاقية ايكس ليبان التي منحت من خلالها فرنسا للمغرب استقلاله الشكلي وعبرها كل الاجراءات التي مهدت لهذه المفاوضات مثل تأسيس مجلس العرش (17-10-1955) وعودة السلطان محمد الخامس (16-11-1955) وتشكيل أول حكومة برئاسة مبارك البكاي (07-12-1955) وصدور الاعلان المشترك الذي أعلن استقلال المغرب( 02-03-1956)، ثم إعلان ( 07-04-1956) فيما يخص منطقة الاستعمار الاسباني بالشمال، كل ذلك كانت له تداعيات على مغرب مابعد هذه الفترة، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه لبروز مواقف متناقضة واتجاهات متعددة بحسابات مختلفة، وكذا ظهور صراعات وتقاطعات حزبية وسياسية بين شتى الفاعلين والأطراف القائمة انذاك، لاسيما بين أنصار خيار استكمال معركة التحرير الشامل عبر نهج الكفاح المسلح حتى الجلاء التام وتحقيق الاستقلال الكامل، وهو الموقف الذي عبرت عنه خصوصا فصائل جيش التحرير، وبين انصار خيار المفاوضات المتكون من العناصر التي فاوضت فرنسا في شان مصير المغرب.
واذا كانت هذه هي أهم مظاهر الاحتقان السياسي في المغرب خلال تلك الفترة، فان أبرز ما أجج هذه الوضعية التداعيات التي انعكست في صورة انفجار عام للوضع السائد كنتاج للعامل الاول المتمثل في السخط والغضب وخيبة الامال، خاصة مع بداية مسلسل الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية والاختطافات التي اقترنت اساسا ب" الالة الحزبية المستبدة"، وهو ما جعل المغرب يعيش فترة سوداء بكل المقاييس.
علاوة على ذلك، فان ما آلت اليه الوضعية العامة بالمغرب لم تكن باعثة على كل تلك الاضطرابات، لو لم تتظافر عوامل أخرى منها أساسا تعفن الوضعية الادارية وافتقاد القضاء للنزاهة والاستقلالية وسيادة الإبعاد والاقصاء من المشاركة في وضع القرار السياسي وحق التمثيل في دائرة مركز القرار وحق التوزيع العادل للثروة الاقتصادية والسياسية، وكذا سعي الدولة الى فرض وحدة سياسية وثقافية واقتصادية قسرية وجاهزة على النمط الفرنسي في وقت كانت فيه منطقة الريف تتميز بخصوصيات مخالفة تماما لما كان سائدا بالجنوب لغويا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا.
ومن جهة اخرى، فقد تميزت منطقة الريف بانتشار الفقر المدقع والجفاف ووجود الخصاص وسيادة الظلم والحيف لاسيما أمام الوضعية الهشة والضعيفة الموروثة عن عهد الاحتلال الاسباني. اضافة الى وجود عوائق بنيوية واكراهات متعددة. يقول قائد هذه الانتفاضة، محمد سلام أمزيان، حول مجموع هذه الأسباب: "لقد وجدنا كل الملابسات تدعونا الى القيام بهده الحركة لانقاذ الوطن من الانهيار، وإلا فسوف لن يرحمنا التاريخ والأجيال الصاعدة".
أما محمد بن عبد الكريم الخطابي، فيلخص أسباب تحول المغرب الى ساحة فظيعة لتصفية الحسابات وممارسة التنكيل والاختطاف، حسب الباحث محمد أمزيان، الى سياسة الظلم والرشوة والاستبداد ضد الحكم والتعصب الحزبي الأعمى والحالة الاقتصادية المرتبكة وبقاء الاحتلال الفرنسي وعدم الجلاء التام(...).
ويضيف الامير الخطابي في رسالة مؤرخة بتاريخ 27 يوليوز 1960 ان المسؤولية كلها تقع على الذين توالو الحكم وزمام الامور في البلاد منذ ان ابتلينا لا بالاحتلال ولكن بكلمة الاستقلال (...).
أحداث تافيلالت(1957)
تعتبر هذه الأحداث أول حدث سياسي وتاريخي شهده المغرب مباشرة بعد الاعلان عن استقلاله. وقد تزعم هذه الأحداث العامل عدي او بيهي بمنطقة الجنوب الشرقي (تافيلات) ضد" دسائس حزب الاستقلال".
يقول الكاتب الامريكي جون واتربوري حول هذا الحدث." أقدم عدي اوبيهي في 17 يناير كانون الثاني من سنة 1957 بعد أن حصل على اسلحة بواسطة ضباط فرنسيين على اغلاق مكتب حزب الاستقلال بيمدلت وسجن جميع المذنبين في رأيه بمن فيهم ضباط الشرطة والقاضي ووضعت ميدلت والريش وهما في قلب الاقليم في حالة دفاع وأعلن عدي اوبيهي أن همه الوحيد يكمن في الدفاع عن العرش وحمايتة من دسائس الحكومة. ونظرا لغياب الملك أرسل الأمير مولاي الحسن كتيبتين من الجيش الملكي لاعادة النظام. وبعد مدة قصيرة استسلم العامل المتمرد حيث وعده الجنرال الكتاني بالامان".
بعد أن تم القضاء على هذه الأحداث اعتقل عدي اوبيهي ومن معه، وقد وصل عدد هؤولاء المعتقلين الى 47 معتقل، كما ظلت أطوار محاكمة عدي اوبيهي ممتدة مابين 1957 و1959 قبل أن يموت مسموما بمستشفى ابن سنة 1961. أما الحين اليوسي فقد فر الى اسبانيا قبل أن يعود الى المغرب سنة 1963. في حين كان الوحيد الذي نفذ فيه حكم الاعدام هو القائد الممتاز موحا أوهرا.
يقول مبارك ايت رحو نجل عدي اوبيهي حول ملابسات هذه الاحداث: "لقد كان هناك صراع طويل بين حزب الاستقلال والوالد الذي توصل بعدة شكايات بخصوص الضغوطات التي كان يمارسها الحزب على المواطنين. لقد حاول حزب الاستقلال السيطرة وتوجيه العامل لخدمة مصالحه الا أنهم لم يفلحوا في ذالك حيث كان عدي اوبيهي يدافع عن القبائل ويقف في وجه بطش الحزب.
في مقابل ذلك فقد نشرت جريدة العالم، لسان حال حزب الاستقلال، في عددها الصادر بتاريخ 14 يناير 1959 مايلي: " انتهت محكمة العدل بالرباط خلال الأسبوع الماضي من البحث مع المتهمين الذين يزيد عددهم على 72 متهما معظمهم كان عليه أن يجيب على تهمة المس بالامن الداخلي للدولة وتسليح القبائل للقيام بثورة مسلحة"، ومن أبرز الملابسات المحيطة بقيام واندلاع هذه الأحداث الدور المفترض لبعض الشخصيات في مجريات الأمور آنذاك وهو الأمر الذي يسميه الباحث مصطفى اعراب ب" مؤامرة القواد" منهم احرضان، البكاي، اليوسي، الخطيب..

أحداث والماس (1958)

عرفت منطقة الاطلس المتوسط ،وتحديدا اولماس، سلسلة اضطرابات وأحداث مماثلة ومأساوية وتزعمها ابن الميلودي. وقد جاءت هذه الأحداث في سياق ماكان يعيشه المغرب من وضعية خاصة على جميع المستويات. وعودة الى حيثيات الوقائع التي شهدتها هذه المنطقة فانها تلتقي في عناصر معينة مع مثيلاتها من الأحداث الأخرى، أهمها السخط العارم ضد الوضعية التي وجد عليها المغرب بعد سنة 1956 وهيمنة الحزب الوحيد ومظاهر الاحتقان السياسي.
يقول مصطفى أعراب في كتابه "الريف بين القصر حزب الاستقلال وجيش التحرير"، حول هذه الاحداث "(..) إلا أن ما حدث هو أن القوات المسلحة الملكية هرعت مباشرة نحو والماس لسحق حركة ابن الميلودي وموحا اوحدو في بني وراين".
لقد كان مصير هذه الانتفاضات والأحداث والتمردات السابقة مصيرا مشتركا تجلى في ما تعرضت له المناطق التي ارتبطت بها هذه على الوقائع، أهمها الريف والأطلس المتوسط والجنوب الشرقي. علاوة على أحداث تاهلا وايت وراين بقيادة موحا حدو ابرشان ومسعود اقجوج بتازة واكزناية وأحداث ايت ازناسن وصفرو وجرادة ومناطق متعددة أخرى تعرضت لكل أصناف القمع والعقاب الجماعي والإقصاء السياسي والتهميش الاقتصادي والاجتماعي.
لقد كانت هناك عدة قضايا شائكة ومترابطة وإشكالات معقدة تتعلق كلها بمجريات الأمور والتناقضات والأحداث التي عرفها المغرب بعد .1956 وحتى تتجلى صورة وحقيقة ملابسات الماضي الأليم، لابد من رفع غطاء النسيان والإهمال عن أهم المحطات التي ترتبط بهذا الماضي حتى يمكن لنا على الأقل أن نخطو خطوات على درب مسلسل المصالحة الحقيقية والتأسيس للعدالة الانتقالية ولمستقبل وغد واعد.